أدى المديرون الماليون دوراً هاماً للغاية خلال جائحة كوفيد-19، حيث عبروا بشركاتهم فترة الاضطرابات واتخذوا قرارات صعبة تطلبها ضمان استمرارية الأعمال. مع ذلك، لا بد من وجود طراز فريد من المديرين الماليين لكي يتمكن من إخراج الشركة من الحالة الحرجة ومعاودة النمو من جديد، وصولاً إلى تحقيق التميز وترسيخ الابتكار.
تسعى الشركات منذ أكثر من عام إلى اجتياز حالة الغموض والاضطراب الاقتصادي. لكن لا يعني ذلك أن المستقبل القريب سيكون أكثر وضوحاً. لعل المسؤولية الأكبر التي تقع على كاهل المديرين الماليين اليوم هي التنبؤ بالمستقبل من أجل وضع شركاتهم على الطريق الصحيح لتلبية الاحتياجات المستقبلية. في خضم هذا الوضع الجديد، ربما يعني ذلك خضوع الشركة للتحول على جميع الأصعدة. وبغية تحقيق هذا التحول، ينبغي للمدير المالي الثوري أن يحيط نفسه بأفضل الأفراد- وأن يجيد رعايتهم- للتأكد من امتلاك الجميع للتقنيات والأدوات المناسبة للعمل.
محلل من المستقبل
يحتاج المديرون الماليون للبيانات والمعلومات المتعمقة في صنع قرارات هامة من شأنها تغيير ملامح الشركة. مع ذلك، لا يزال 70% من المديرين الماليين يتخذ القرارات بناء على الحدس والخبرة. ومع أن الحدس والخبرة سمات أساسية للمدير المالي، لا بد اليوم من دعم القرارات بالبيانات. ينبغي أن تكون هذه البيانات أكثر من مجرد معلومات حول الأداء السابق للشركة. إذ يتوجب على المدير المالي الاهتمام بما يحدث حوله بشكل فوري والتكهن بما يمكن أن يتغير في المستقبل.
إن المديرين الماليين المتميزين في عالمنا اليوم لا يتخذون قرارات طويلة المدى بالنظر نحو الخلف. إذ يوظفون البينات والتحليلات التنبؤية في التطلع للأمام ورسم طريق جديد للشركة. تغدو القيمة عظيمة حين تتضافر الجهود. فالشركات المعتمدة على البيانات أكثر قدرة على اجتذاب العملاء بمقدار 23 مرة وعلى النجاح بمقدار 19 مرة، غير أن معظم المديرين الماليين مدركون بأن البيانات المفيدة قد تكون صعبة المنال. فالمعلومات القيمة ذات الصلة تنتشر غالب الأحيان في عدد كبير من الأقسام المختلفة- وتستخدمها الشركة والعملاء والشركاء- ولا توجد حلقة وصل تجمع بينها.
وللحصول على هذه المعلومات الثمينة واستيعابها، يتعين على المدير المالي الثوري استعمال كل ما في جعبته من أدوات. وهذا يتضمن المنصات السحابية التي تربط بين بيئات البيانات المتفاوتة، بالإضافة إلى أدوات الذكاء الاصطناعي التي تتمكن من تحقيق ما يعجز الأشخاص عن فعله بشكل منفرد. على سبيل المثال، يستطيع المستشارون الآليون والمساعدون الافتراضيون إرسال رسائل مؤتمتة بشكل فوري بالاستناد إلى سلوك العميل. هذا ذكاء حقيقي يتم بالزمن الفعلي. حين يفهم المدير المالي ما يحدث في الشركة والقطاع والسوق في الوقت المناسب، فإنه يحصل على ميزة الأسبقية على المنافسين.
صوت التغيير المعتمد على التكنولوجيا
على أي حال، يتوجب على المدير المالي ألا يحتفظ بكل هذه المعلومات والتقنيات لنفسه. فالمديرون الماليون المتميزون يدركون بأنهم ليسوا المصدر الوحيد للمعلومات والابتكارات وبأن الفرص تأتي من أي جهة وبإمكان أي شخص في الشركة اكتشافها. وبما أن المدير المالي أحد صناع القرار المهمين في إتمام عملية تحديد الاستثمارات، فلا بد له من دعم التقنيات التي يثق بقدرتها على مساعدة الشركة. علاوة على ذلك، يتوجب عليه أن يدعم نشر التكنولوجيا وإتاحة استعمالها في كافة أقسام الشركة.
في الأوقات الصعبة، تتمثل الاستراتيجية البديهية في ترشيد النفقات والتركيز على الكفاءة. أما إذا أرادت الشركة تعزيز قدراتها على المنافسة في المستقبل، فإن الوقت الحاضر مناسب للاستثمار في الموظفين وما يمكنهم استعماله من أدوات في زيادة إنتاجيتهم وفاعليتهم في العمل.
بصفة عامة، تمحورت الاستثمارات خلال الجائحة حول منصات المحادثة المرئية والتعاون الرقمي. بالنظر نحو الأمام، ينبغي للمديرين الماليين الاهتمام بالحلول المؤتمتة التي تنظم العمليات، وأدوات تحليل الآراء التي تساعد في الحفاظ على سعادة الموظفين وصحتهم وإنتاجيتهم. ومع التكهن بأن الاستثمارات ستفوق 125 مليار دولار بحلول عام 2025، يمثل الذكاء الاصطناعي جبهة جديدة في الاستثمار التكنولوجي وسيؤدي المديرون الماليون دوراً هاماً في عملية تطبيق التقنيات المتطورة في المستقبل.
التميز يعني الاهتمام بالأفراد
التكنولوجيا ضرورية للغاية، لكنها جزء من كلّ. فوراء كل مدير مالي ثوري فريق متميز من الأفراد الموهوبين الذين يشاركونه الأدوات والمعلومات المتعمقة ذاتها. وهذا يعني أن المدير المالي العظيم لا بد وأن يكون مديراً متميزاً للأفراد. ينبغي للمدير المالي أن يبدي الرغبة في التعلم ممن حوله والحرص على الاستماع للأفراد المتميزين.
التعاطف مع الآخرين هام. فالجائحة ألقت بظلالها الثقيلة علينا جميعاً، ولكن آثارها تتفاوت من شخص لآخر. وتعتبر المرونة والسهولة في التعامل سمات أساسية في الوقت الراهن. يؤدي المديرون الماليون دوراً هاماً في صياغة ثقافة الشركة مع أنهم قد لا يدركون ذلك على الدوام. ولكل قرار يتخذونه أثر ملموس في مكان العمل- ابتداء من مشاركة النتائج المالية مع الموظفين وانتهاء بمعارضة بنود في الميزانية. ويدرك القادة المؤثرون تداعيات هذه القرارات وتأثيرها على الأفراد من حولهم ويحددون تصرفاتهم تبعاً لذلك.
يتوجب على المدير المالي في عالمنا اليوم أن يؤدي العديد من الأدوار. إذ عليه أن يمارس دور المتنبئ والمحلل والداعم للتكنولوجيا وحلقة الوصل التي تربط بين الفرق. وهذه مسؤولية عظيمة بالنسبة لفرد واحد، لكنها مصدر قوة في الوقت ذاته. ولا شك أنه هناك فرصة متاحة أمام المديرين الماليين في مرحلة التعافي ما بعد الجائحة لكي يقوموا بتطوير الأعمال والانتقال بها إلى مكانة أفضل مما كانت عليه في السابق.